شرح سورة الإخلاص
{قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ} (1) قُلْ أَيْ يَا مُحَمَّدُ هُوَ اللهُ أَحَدٌ، قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ أَحَدٌ أَيْ وَاحِدٌ، أي الذي لا يَقْبَلُ التَّعَدُّدَ والكَثْرَةَ ولَيْسَ لَهُ شَرِيكٌ في الذَّاتِ أَو الصّفَاتِ أَو الأَفْعَالِ، وَلَيْسَ لأَحَدٍ صِفَةٌ كَصِفَاتِه، بَلْ قُدْرَتُه تَعَالى قُدْرَةٌ وَاحِدَةٌ يَقْدِرُ بِهَا عَلَى كُلِّ شَىءٍ وعِلْمُهُ وَاحِدٌ يَعْلَمُ به كُلَّ شَىءٍ. فَاللهُ تَعَالَى وَاحِدٌ لا شَرِيكَ لَهُ وَلا شَبِيهَ لَهُ وَلا وَزِيرَ لَهُ لا يُشْبِهُ شَيْئًا وَلا يُشْبِهُهُ شَىْءٌ وَهُوَ خَالِقُ كُلِّ شَىْءٍ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: {اللهُ الصَّمَدُ } (2) أيِ الذي تَفتَقِرُ إِليه جَمِيْع المَخلُوقَاتِ، معَ استِغْنَائِه عنْ كُلِّ مَوْجودٍ، والذي يُقْصَدُ عندَ الشّدَّةِ بجَميعِ أنْواعِها ولا يَجْتَلِبُ بخَلْقِه نَفْعًا لِنَفْسِه ولا يَدْفَعُ بِهمْ عنْ نَفْسِه ضرًّا. أي مُستغْنٍ عنْ كُلِّ شىءٍ وكُلُّ شىءٍ يحتاجُ إليه.
قَوْلُهُ تَعَالَى: {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ} (3) نَفْيٌ لِلْمَادّيَّةِ والانْحِلالِ وَهُوَ أَنْ يَنْحَلَّ مِنْهُ شَىءٌ أَوْ أَنْ يَحُلَّ هًوَ في شَىءٍ. أيْ أنَّه ليسَ أبًا ولا ابنًا.
وَمَا وَرَدَ في كتاب "مَوْلِدِ العَرُوسِ" مِنْ أنَّ اللهَ تَعالى قَبَضَ قَبْضَةً مِن نُورِ وجْهِهِ فَقَالَ لها كُوْنِي مُحمَّدًا فَكَانَتْ مُحمَّدًا فَهذِه مِنَ الأَبَاطِيلِ المَدْسُوسَةِ، وحُكْمُ مَنْ يَعْتَقِدُ أنَّ مُحمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جُزْءٌ مِنَ اللهِ تَعَالى التَّكْفِيرُ قَطْعًا، وكَذَلِكَ الذي يَعْتَقِدُ في المَسِيحِ أنَّه جُزْءٌ منَ اللهِ.
وليسَ هذا الكتاب لابنِ الجَوزيّ رحمهُ اللهُ ولم يَنسُبْهُ إليهِ إلا المُستَشرِق برُوكلمَان.
قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} (4)
أيْ لا نَظِيْرَ لَهُ بِوَجْهٍ منَ الوُجُوهِ. أيْ لا شَبِيهَ لَهُ.
(1) أخرجَ البيهقيُّ في الأسماءِ والصّفاتِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ الْيَهُودَ، جَاءَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُمْ كَعْبُ بْنُ الْأَشْرَفِ وَحُيَيُّ بْنُ أَخْطَبَ، فَقَالُوا: يَا مُحَمَّدُ، صِفْ لَنَا رَبَّكَ الَّذِي بَعَثَكَ. فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: {قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ اللهُ الصَّمَدُ، لَمْ يَلِدْ} [الإخلاص: 2] فَيَخْرُجُ مِنْهُ {وَلَمْ يُولَدْ} [الإخلاص: 3]فَيَخْرُجُ مِنْ شَيْءٍ، {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} [الإخلاص: 4]وَلَا شَبَهٌ. فَقَالَ: «هَذِهِ صِفَةُ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ وَتَقَدَّسَ عُلُوًّا كَبِيرًا»